بقلم مارثا فلايهولم تود وأحمد بزوم
“الأمر كله يتعلق بالطاقة التي تصدرها” هذه هي الكلمات التي قالتها سيا هيرتيجكارل، عندما طلبت منها المبادرة الدنماركية المصرية للحوار “ديدي” تلخيص تجربتها مع مشروع التصميم الدنماركي المصري المشترك “الأثاث ثنائي اللغة” الذي نظمته ديدي. وعلقت سيا أيضًا علـي القدرة المفاجئة على التواصل بدون لغة مشتركة قائلة:
“عادةً، يتعلق الأمر كله باختيار الكلمات المناسبة لتوصيل أفكارك، ولكن في هذه الحالة، كان كل شيء يقتصر على لغة الجسد، والابتسامات، وتناول القهوة معًا.”
تدرس سيا هيرتيجكارل التصميم في الأكاديمية الملكية الدنماركية للهندسة المعمارية والتصميم (KADK)، وفي نوفمبر الماضي، اشتركت هي و١٧ من زملائها من الطلاب الدنماركيين مع مجموعة من المصممين المصريين الشباب، وبالتعاون مصنع بينوكيو للأثاث في تعاون مشترك.
وفي هذا الشأن، تم تصميم وإنتاج 11 نموذجًا أوليًا للأثاث بالإضافة إلى التصاميم المرئية والحرف اليدوية المستوحاة من صور لنساء من مصر القديمة تحملن فوق رؤوسهن أوعية مستديرة القاع، قامت سيا هيرتيجكارل وزميلتها بتصميم “فلاح”، وهو كرسي من الخوص مستدير مع إمكانية التخزين بداخله.
وعُرضت التصميمات المنفذة في معرض تصميم الأثاث ثنائي اللغة الذي أقيم بالقاهرة، تلا ذلك عرضهم في المعرض المفتوح ب KADK في كوبنهاجن. وستعرض بعض من القطع المصممة، بما فيهم “فلاح”، في معرض الثلاث أيام الدنماركي للتصميم في نهاية العام.
يتحدى هذا المشروع المشاركين به لإعادة تفسير التصاميم الفرعونية واستخلاص منها تصميمات أثاث حديثة بهدف الجمع بين المصممين والمنتجين الدنماركيين والمصريين لمشاركة واكتشاف، وأيضا التفكير في التراث الغني للبلدين.
“التصميمات الفرعونية مليئة بالعناصر الجميلة،” تقول لديدي، كاترين نوهر، إحدى الطلاب الدنماركيين، فتصميمها “أمان” عبارة عن خزانة فاخرة للتخزين والعرض، وهو مستوحى من البنية السرية لممرات الأهرام الضيقة التي تقود إلى غرف عالية القيمة، وأضرحة، والعديد من الكنوز. “لديهم العديد من الحلول الجميلة الشكل لأقدام الأثاث ولمنحنياته والأَسرة المطوية، لذا فمن الصعب ألا تتأثر بها.”
ومما يؤكد التأثر بالتصميمات الفرعونية بوضوح، فإن النماذج الأولية المصنعة تضيف فصلا آخر إلى التاريخ المبهر للتبادل الثقافي: فرموز مصممي الأثاث في الخمسينات بالدانمارك استوحوا من خصائص التصميمات الهندسية الفرعونية التي تتميز بالصرامة والجمال في الوقت ذاته.
“في الواقع، أنا أظن أن التحدي الحقيقي هو ألا تتأثر بها أكثر من اللازم،” أضافت كاترين. “جزء من نجاح هذه العملية هو إيجاد التوازن المثالي. فعندما وصلت إلى القاهرة. رغبت بشدة أنا وزملائي في الفريق على مزج هذه الأجنحة الجميلة التي نجدها على الأضرحة المصرية بالتصميم. ولكن المصممون المصريون اقترحوا استخدام نموذج أحدث لتصميمنا، لأن الأجنحة في رأيهم قديمة جدا إلا حد ما. وبهذه الطريقة فإننا نساعد بعضنا البعض لإيجاد حلول الوسط الملائمة.”
مفاهيم مختلفة للجودة
تقول لينا لاشين، وهي احدى المشاركات في المعرض: “نحن المصممون المصريون كثيراً ما نهتم بشكل التصميم”. ولكن الدنماركيين يهتمون بالتفاصيل الدقيقة، مثل كيفية بناء الأجزاء الصغيرة من التصميم. وكان لطريقتينا المختلفتين في العمل تأثيرًا كبيرٍا على إنتاج تصميمات ثنائية الثقافة”.
ويُسلط المشاركين المصريين والدنماركيين الضوء على المفاهيم المختلفة للجودة باعتبارها تجربة غير متوقعة نتجت عن هذا التعاون. ومن ناحية أخرى، فإن التجربة جعلت المشاركين يشككون في مدى إدراكهم للقيم الجمالية، كما أنها وسّعت منظورهم في أسس التصميم.
وأضافت سيا هيرتيجكارل: “إن من بين الأشياء التي تعلمتها أثناء التواجد في مصنع بينوكيو، أنني لا يجب أن اعتقد بشكل نهائي أننا جميعاً لدينا نفس معايير الجودة أو الأفكار الجمالية،” ففي الدنمارك على سبيل المثال، نعتقد أن الخشب الصلب هو أكثر المواد الفاخرة والراقية التي يمكن العمل بها، ولكن هذا لا يعني أن الحرفي المصري لا يعتقد أن خشب الأبلكاش لا يقل عنه رقيا”.
وتضيف أيضا: “أعتقد أن أحد أسباب نجاح هذا التعاون كان أننا اضطررنا فجأة إلى التأمل في الكيفية التي كنا نريد أن يبدو بها تصميمنا، ولماذا نريده أن يبدو هكذا. ففي الوقت الذي بدأ الدنماركيون طرح العديد من الأفكار، والتي تبين في بعض الحالات أنها خيالية، كشف المصريون عن خبرة مثيرة للإعجاب لكيفية قيامهم بالأعمال الحرفية. وأنا أعتقد أننا كنا بارعين في حث بعضنا البعض لتخطي حدودنا من أجل تحقيق نتائج مذهلة”.
التواصل بدون كلمات
كان اللقاء في مصنع بينوكيو للأثاث مع الحرفيين المصريين الذين لا يتحدثون إلا اللغة العربية مفيدا جدا لطلبة التصميم الدنماركيين في جعلهم يدركون أنه من الممكن التواصل بدون لغة مشتركة للحديث.
“إن الافتقار إلى لغة حديث مشتركة ليس سوى قيد تضعه لنفسك،” تقول كاترين نوهر، “وخاصة عندما يكون لديكم شيئا مشترك كحرفة. فالحرفة ستتحدث عن نفسها. لذا فإن عدم التحدث بنفس اللغة لا يهم حقا”.
وللتغلب على حاجز اللغة، طلبت ديدي من المصممين المصريين، الذين يتحدثون الإنجليزية والعربية، مساعدة الطلاب الدنماركيين والعمال في مصنع بينوكيو على فهم بعضهم البعض. وهكذا، لم يكن الأمر سوى مسألة وقت قبل أن يجد الطلاب الدنماركيون أنفسهم يتفاعلون مع النجارين الناطقين باللغة العربية.
وتشرح كاترين نوهر: “كان مهما للغاية آن تكون جميع مقاسات مشروعنا دقيقة. فإن رغبتنا في الشعور بالرضا التام اضطرتنا أن أن نذهب إلى العمال للإشراف على الانتاج ولنتأكد من أنهم فهموا تعليماتنا بشكل صحيح. وبقليل من الفكاهة وحسن النوايا، فإنه يمكن بالفعل التواصل بدون لغة مشتركة، وهذا أمر سوف أتذكره إذا اشتركت في مشاريع دولية أخرى في المستقبل”.
بداية للتعاون المشترك في التصميم بين الدنمارك ومصر
يعتمد سوق الأثاث في الدنمارك حاليا بشكل أساسي على أوروبا الشرقية في مجال التصنيع متسع المجال. ومنذ بدء التعاون بين ديدي وKADK في ٢٠١٧، يأمل عمروعرنسة، الرئيس التنفيذي لمصنع بينوكيو للأثاث أن يكون هذا بذرة لتعاون دنماركي-مصري بشكل أكبر.
“اعتقد أن مصر لديها الإمكانيات لتحل محل أوروبا الشرقية في تصنيع الأثاث في المستقبل،” يضيف عرنسة “ولكن بالطبع، هذا يتطلب بعض التعديلات على أساليب وطرز التصنيع.”
وبالنسبة للمشاركين المصريين، فإن الاهتمام المتزايد بالأسواق الخارجية كان من ضمن نتائج هذا التعاون، وذلك لأن المصممين الشباب أصبحوا أكثر إدراكاً لتراث التصميم في بلدهم. وبالمثل، فإن هذا المشروع شكل فرصة جيدة لخلق شراكات عابرة للحدود.
يقول أحمد صبري، أحد المصممين المصريين لديدي: ” كنت عادة ما اهتم فقط بمتطلبات ومعايير السوق المصري، وهو ما تغير بعد مشاركتي في ورش العمل،” وأضاف، “تجربة العمل مع ثقافة مختلفة، اتاحت لي الفرصة للنظر إلى متطلبات ومعايير أخرى كمتطلبات ومعايير السوق الأوروبي.”
ولاقت التصميمات المستوحاة من الفراعنة استحسانا عند عرضها في الدنمارك؛ حيث تم اختيار ثلاثة تصميمات لعرضهم في معرض الثلاث أيام الدنماركي للتصميم الذي سينعقد في كوبنهاجن في سبتمبر ٢٠٢٠. وبالإضافة إلى ذلك، تأمل سيا هيرتيجكارل أن يتم تصنيع “فلاح” بمجرد ان يسمح الوضع الخاص بكوفيد-١٩. وجدير بالذكر أيضا أن العديد من المصممين المصريين تلقوا عروضا مغرية لإنتاج تصميماتهم أثناء عرضها في المعرض بالقاهرة، فعلى سبيل المثال فإن المقعد الذي صممته “آية خضر “يقوم مصنع بينوكيو بتصنيعه حاليا.
“فلاح” من تصميم سيا هيرتيجكارل و بيا انجيلا راسموسين
“آمان” من تصميم كاترين نوهر،و لاركي كنودسن لورينتسين، وكرسيتين بوش
جزيل الشكر لكل من كاترين نوهر، لارك كنودسن لورينتسن، سيا هيرتيجكارل، عمرو عرنسة، أحمد صبري، عبد القادر أحمد، ولينا لاشين للمشاركة بالمعلومات اللازمة لهذا المقال.
أحمد بزوم، مسئول وحدة الاتصال بالمبادرة الدنماركية المصرية للحوار(ديدي)
مارثا فلايهولم تود، مساعدة وحدة الاتصال بالمبادرة الدنماركية المصرية للحوار(ديدي)